الجهل بكتالوج الشخصية في العلاقة الزوجية يؤدي إلى النزاع والطلاق
بقلم المحامية والمستشارة الاجتماعية رباب احمد المعبي
الزواج هو رباط مقدس وميثاق غليظ مبني على المودة والرحمة، الإسلام قدّم نموذجاً متكاملاً لتنظيم الحياة الزوجية، قال الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم: 21)، فالزواج ليس مجرد التقاء شخصين، بل هو شراكة مبنية على التفاهم العميق والاحترام المتبادل، ولكن مع مرور الوقت، قد تتحول الحياة الزوجية إلى ساحة مليئة بالخلافات والمشاحنات إذا لم يدرك الزوجان احتياجات بعضهما البعض النفسية والعاطفية وهو “كتالوج الشخصية”، وهو من أكبر التحديات التي تواجه الأزواج هو الجهل باحتياجات الطرف الآخر، سواء كانت احتياجات عاطفية، نفسية، أو حتى سلوكية، وهذا الجهل يُولد سلسلة من المشكلات التي تبدأ بالنزاعات اليومية وتنتهي بالطلاق في بعض الأحيان.
“كتالوج الشخصية” مفهوم يجب أن يُفهم وهو طريقة منهجية لفهم الشخص الآخر وهو التعبير المتبادل بين الزوجين بطبيعة كل منهما، فغياب هذا الكتالوج يجعل الأزواج يتعاملون مع بعضهم البعض بناءً على افتراضات خاطئة، فالزوج قد يعتقد أن تقديم الدعم المادي هو تعبير كافٍ عن الحب، بينما الزوجة تحتاج إلى عبارات رومانسية لتعزيز شعورها بالتقدير، والعكس صحيح، الزوجة قد تُغرق زوجها في الحديث عن مشاعرها، بينما هو يحتاج إلى لحظات من الهدوء والتركيز، لذلك أهمية معرفة العديد من الجوانب الشخصية للطرف الآخر ومنها:
أ. الاحتياجات العاطفية: ما الذي يجعل الطرف الآخر يشعر بالحب والتقدير؟
ب. الاحتياجات النفسية: كيف يفضل كل طرف التعامل في لحظات الضيق والحزن والفرح؟
ج. طرق التواصل: هل يفضل أحدهما الحوار المباشر أم التلميحات؟ هل يحتاج إلى مساحة من الحرية أم يفضل القرب المستمر؟ هل يفضل التفاصيل أو العنوانين الرئيسة والاختصار في الموضوع المطروح؟ ومن الاحتياجات الأساسية للطرفين الآتي:
احتياجات المرأة العاطفية: الركائز الأساسية لتوازن العلاقة
1. الشعور بالأمان العاطفي:
المرأة تحتاج إلى شريك يُظهر لها الدعم العاطفي باستمرار فالأمان العاطفي يأتي من كلمات التقدير، الاحتواء في لحظات الحزن، والإحساس بالالتزام تجاه العلاقة، فالأمان العاطفي لا يتعلق فقط بعدم الخيانة، بل يشمل الدعم النفسي الذي يمنحها الثقة بأنها شريك أساسي ومهم، والإهمال في هذا الجانب يجعل المرأة تشعر بالوحدة والرفض.
2. التعبير عن الحب:
تحتاج المرأة إلى سماع كلمات الحب الصريحة بشكل متكرر، وعلى الزوج انتهاز الفرص بالتعبير عن الحب (مثل هدية بسيطة أو رسالة مفاجئة) تعزز شعورها بالحب، وتحتاج المرأة إلى الحديث عن مشاعرها وما تمر به وغياب الحوار يجعلها تشعر بالعزلة العاطفية.
3. التقدير والاهتمام:
كلمات عن الاهتمام مثل “شكراً” و”أقدر جهودك” تعني الكثير للمرأة، والعكس صحيح بعدم الاعتراف بمجهوداتها يُشعرها بأنها غير مهمة.
4. الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة:
المرأة تُقدّر الإيماءات الصغيرة مثل سؤال بسيط عن يومها أو ملاحظة تغيير بسيط في مظهرها وتجاهل هذه التفاصيل يشعرها بأنها غير مرئية.
5. التواصل المستمر:
تحتاج المرأة إلى شريك يصغي إليها بصدق ويفهم ما تقوله دون تقليل أو سخرية فعندما تشعر المرأة أن زوجها لا يهتم بمشاعرها، يبدأ الجفاء العاطفي.
6. الدعم العاطفي في الأوقات الصعبة:
المرأة تحتاج إلى من يُطمئنها في لحظات الضعف ويقف بجانبها في الأزمات والدعم العاطفي لا يتطلب حلولاً عملية دائماً، بل مجرد وجود مستمع محب.
احتياجات الرجل النفسية: المفتاح لفهم شخصيته
1. الشعور بالتقدير:
الرجل يبحث عن شريكة تقدّر جهوده، حتى لو كانت بسيطة، والانتقاد المستمر أو المقارنة برجل آخر يُضعف شعوره بالكفاءة ويثير لديه مشاعر الإحباط ويشعر بعدم الكفاءة.
2. الاحترام:
الرجل يربط بين الاحترام ومكانته في العلاقة والاحترام هو أحد أعمدة العلاقة بالنسبة للرجل والتحدث معه بلهجة تقلل من قيمته أو اتخاذ قرارات دون استشارته يُشعره بالإهانة ويؤثر سلباً على علاقته بالزوجة.
3. الحرية والمساحة الشخصية:
الرجل يحتاج إلى مساحة شخصية دون أن يشعر بأنه محاصر والثقة بين الزوجين تُعزز هذا الاحتياج دون أن تؤدي إلى شكوك.، فالرجل يحتاج إلى وقت يمارس فيه هواياته أو يسترخي دون ضغط وكثير من النساء يفسرن هذه الحاجة على أنها انسحاب من العلاقة، لكن الواقع عكس ذلك.
4. الدعم غير المشروط:
في لحظات الفشل أو التحديات، يحتاج الرجل إلى شريكة تُشجعه وتدعمه دون لوم والنقد في الأوقات الصعبة يُضعف من رغبته في البوح بمشاعره لاحقاً
احتياجات الرجل النفسية:
1. الاحتواء العاطفي: الاحتواء الذي يفتقده
الرجال لا يعبرون عن مشاعرهم بسهولة، لكنهم يحتاجون إلى الاحتواء في أوقات الضغوط فكلمات بسيطة مثل “أنا هنا لدعمك ” أنا معك واشعر بك” تُحدث فرقًا كبيراً.
الاختلاف الفطري وأسباب النزاعات الزوجية؟
يعتبر الاختلاف بين الرجل والمرأة أمراً فطرياً وحقيقة علمية ونفسية، وهو ليس اختلافاً يهدف إلى التفرقة أو التمييز، بل هو اختلاف يكمّل أحدهما الآخر لتحقيق التوازن في الحياة الإنسانية، فالرجال والنساء، رغم اختلافاتهم البيولوجية والنفسية والاجتماعية، يشتركون في تحقيق غايات مشتركة مثل بناء المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة، إلا أن طرقهم في التعامل مع التحديات قد تختلف، ما يعزز مفهوم التكامل، والاختلاف النفسي: أساس التفاهم على الصعيد النفسي، يمتاز الرجل بعقلية تحليلية وقدرة على التركيز على هدف معين لفترة طويلة، بينما تمتلك المرأة حساسية عاطفية وقدرة على استيعاب مشاعر الآخرين بسرعة وهذه الاختلافات النفسية تجعل كلا الجنسين قادرًا على دعم الآخر في الجوانب التي يحتاجها، فالرجل يحتاج إلى الدعم العاطفي والدفء الأسري الذي توفره المرأة، بينما تحتاج المرأة إلى الاستقرار والحماية التي يقدمها الرجل.
1. الاختلافات الطبيعية بين الجنسين:
الرجل والمرأة يفكران ويشعران بطرق مختلفة، وهذه الاختلافات الطبيعية قد تتحول إلى مصدر للنزاع إذا لم يتم فهمها، مثال: المرأة قد ترغب في الحديث عن مشكلاتها، بينما يميل الرجل إلى البحث عن حلول مباشرة.
2. التوقعات غير الواقعية:
كل طرف يدخل العلاقة بتوقعات غير واقعية عن الآخر، مثل:”زوجي يجب أن يكون رومانسياً” وهذه التوقعات تصطدم بالواقع وتخلق خيبة أمل.
“زوجتي يجب أن تفهمني دون أن أتكلم” هذه التوقعات تصطدم بالواقع وتخلق خيبة أمل.
3. التراكمات العاطفية:
تجاهل الاحتياجات لفترات طويلة يؤدي إلى تراكم الغضب والإحباط وهذه التراكمات تظهر في شكل شجارات يومية قد تكون غير مبررة.
4. ضعف التواصل:
غياب الحوار الفعّال يجعل الطرفين يعيشون في دائرة من سوء الفهم المستمر فكل طرف يفسر تصرفات الآخر بناءً على نظرته الشخصية، مما يزيد من الفجوة بينهما.
أمثلة من الحياة الزوجية
عندما يعود الرجل من يوم عمل شاق، قد يحتاج إلى وقت للراحة قبل الحديث عن تفاصيل يومه. هنا، يمكن للمرأة أن تفهم هذا الأمر وتترك له المساحة التي يحتاجها.
في المقابل، قد ترغب المرأة في التعبير عن مشاعرها أو مشاركة تفاصيل يومها، وهنا يجب على الرجل الاستماع بإصغاء كجزء من تعزيز الروابط العاطفية.
استراتيجيات لبناء علاقة زوجية متوازنة
1. التفاهم العميق والوعي المتبادل:
يجب على كل طرف أن يتعلم كيف يفهم الآخر ويمكن تحقيق ذلك من خلال الحوار الصادق أو حتى جلسات الإرشاد الأسري.
2. التعبير عن الاحتياجات بوضوح:
التوقع أن يفهم الطرف الآخر احتياجاتك دون التحدث عنها هو وصفة للفشل لذا يجب التعبير عن الاحتياجات بصراحة وهدوء.
3. تعزيز مهارات التواصل:
الحوار البناء يعتمد على الاستماع الفعّال وعدم مقاطعة الطرف الآخر واستخدام عبارات مثل “أشعر بـ ” بدلاً من “أنت دائمًا تفعل” يخفف من حدة النقاش.
4. تخصيص وقت للشريك:
تخصيص وقت يومي أو أسبوعي للحوار أو للقيام بأنشطة مشتركة يعزز التقارب العاطفي هذه اللحظات تقوي العلاقة وتُعيد للطرفين شعور الألفة.
5. طلب المساعدة عند الحاجة:
إذا تصاعدت المشكلات، يمكن اللجوء إلى مستشارين أسريين لتقديم نصائح مبنية على خبرة.
وفي الختام الحب وحده لا يكفي لاستمرار الحياة الزوجية فالزواج الناجح يحتاج إلى أكثر من الحب، فهو يتطلب وعياً بأدوار كل طرف وفهماً عميقاً لاحتياجات الشريك، وتقديراً للطبيعة المختلفة لكل طرف، والعلاقة الزوجية الناجحة ليست خالية من المشكلات، لكنها قائمة على شريكين يفهمان احتياجات بعضهما ويعملان معاً لتلبيتها” والاختلاف بين الرجل والمرأة داخل الحياة الزوجية هو أساس التوازن والاستقرار فعندما يُدرك كلا الزوجين أن هذا الاختلاف نعمة، يمكنهما بناء حياة زوجية سعيدة ومستقرة قائمة على التفاهم والتكامل والحياة الزوجية ليست صراعاً لإثبات من هو الأفضل، بل هي شراكة تهدف لتحقيق السكينة والمودة كما أراد الله لها أن تكون، لذا “كتالوج الشخصية” ليس رفاهية، بل هو الأساس الذي يمنع النزاعات اليومية من التحول إلى أزمات تؤدي إلى الطلاق.
تم بحمدالله
المحامية رباب المعبي