تشهد بلادنا ولله الحمد والمنة نهضة واسعة في كافة المجالات وعلى رأسها المجالات النظامية كأحد أهم محاور رؤية المملكة 2030م.
ومن بين أهم الموضوعات النظامية التي يتعين أن تحظ باهتمام واسع أحكام الملكية الفكرية؛ إذ لا تقتصر أهميتها على الجوانب النظامية فحسب بل تتعداها إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ بل ويمتد أثرها خارج نطاق إقليم الدولة في إطار العلاقات الدولية بين الدول وبعضها البعض.
والملكية الفكرية من أكثر المصطلحات النظامية التي أثارت جدلاً واسعاً في تحديد مفهومها وإيضاح مدلولها ويرجع ذلك إلى تعدد المصطلحات التي تندرج تحت مفهوم الملكية الفكرية مثل حق المؤلف، والحقوق المجاورة، والحقوق المتعلقة ببراءات الاختراع والحقوق المتعلقة بالنماذج الصناعية .
ويتضح مما سبق أن الملكية الفكرية قد تأخذ مفاهيم نظامية مختلفة بحسب الموضوع الذي تتناوله؛ إذ قد تأخذ مفهوماً في حقوق المؤلف يختلف عن مفهومها في براءة الاختراع، وحقوق الملكية الصناعية.
وهذا الاختلاف هو ما انعكس على موقف فقهاء الأنظمة من وضع تعريف للملكية الفكرية، فمنهم من رأى أن الملكية الفكرية حق من الحقوق اللصيقة بالشخصية ومن ثم اعتبره فرع من فروع الحقوق الشخصية، ومنهم من نظر إليه من جانب مالي بالنظر لما يترتب على هذا الحق من اكتساب الملكية للمؤلفات وبراءات الاختراع، ومن ثم اعتبره هذا الجانب من قبيل الحقوق المالية، بينما وقف جانب ثالث موقفاً متوسطاً بين الجانبين ورأى أنه حق مختلط يجمع بين الحقوق الشخصية والحقوق المالية.
ولقد ناصرت المنظمة العالمية الفكرية الاتجاه الأول واعتبرت الملكية الفكرية ” مجموعة من أعمال الفكر الإبداعية من الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والنماذج والرسوم الصناعية .
وسار على نهجها مجموعة من الفقهاء منهم من رأى أن الملكية الفكرية ” سلطات يخولها النظام لشخص على شيء معنوي هو ثمرة فكرة وانتاجه الذهني ” .
ويمكن أن نطلق على هذا الجانب من الفقهاء مسمى ” أنصار الطابع الشخصي للملكية الفكرية”؛ إذ أنهم يتفقون على أن الملكية الفكرية هي نتاج أعمال الذهن وابداعات العقل لذا فهي عمل إبداعي معنوي لا يرتبط بماديات، ولا يقوم على عناصر بعيدة عن سمات الشخص وخصائصه التي حباه الله بها.
أما الجانب الآخر فيعتبر الملكية الفكرية قيمة مالية يتعين أن ترد على محل مادي له مردود مالي، ومن ثم فالمؤلف له حقوق مالية على ما يرد في مؤلفه من بيانات ورؤى وأفكار لها قيمة من الناحية العملية التطبيقية، ومن ثم فهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم “أنصار المذهب المادي لمفهوم الملكية الفكرية”.
وأرى أن الجانب الثالث هو الأولى بالتأييد، إذ أن الملكية الفكرية تجمع بين الطابعين الشخصي والمالي، ومن ثم فهو حق شخصي ذو طابع مالي يخول صاحبة مزايا مادية ومعنوية على السواء، ومن ثم فإن الملكية الفكرية حق ذو طابع مزدوج ولا يمكن تنظيمه إلا في إطار شخصي ومالي في الوقت نفسه.
خلاصة القول إن الملكية الفكرية من الموضوعات الهامة التي يتعين أن تلق الاهتمام الواسع من رجال الأنظمة؛ إذ تحتاج إلى تنظيم واضح وفعال يحمي أصحاب العقول المتميزة، وينظم آلية الاستفادة من أعمالهم الفكرية، وهو ما سينعكس بلا شك على بيئة الأعمال والمال في المملكة حيث وضع هذا التنظيم الشامل للملكية الفكرية سيسهم بشكل كبير في رفع مكانة المملكة بين الأمم لما تمتلكه من عقول نيرة في المجالات كافة؛ كما تدعم بشكل كبير رؤية المملكة الطموحة 2030م.
شركة المحامية رباب احمد المعبي تسعد بخدمتكم
وكيل معتمد لخدمات الملكية الفكرية من الهيئة السعودية للملكية الفكرية
